سنين نامان عدد #٦
١٨ محرم ١٤٤٦ هـ | ٢٤ يوليو ٢٠٢٤ م
الأيكيدو
عُمر يجرب فن الأيكيدو في أعرق نادي بالعالم
[طوكيو، اليابان ٢٠٢٣]
السلام عليكم، مرحبًا بالجميع.
نشكر لكم تواضعكم، على الاشتراك في نشرة سنين نامان من «استوديو نامان».
بدأنا هذه النشرة، لنشارك معكم محتوى وأخبار المشاريع التي نعمل وعملنا عليها.
ونسعى من خلالها نشر التجارب والفوائد التي نتعلمها في الطريق.
فن قتالي ياباني تتم ممارسته لخلق التوازن بين الطاقات للدفاع عن النفس. تاريخيًا بدأت ممارسة الأيكيدو في وقت الحرب في اليابان، منذ نهاية عهد التايشو ١٩٢٦ حتى عام ١٩٨٠. تستخدم تقنيات الأيكيدو الحركة الطبيعية لجسم الإنسان، والتوازن من خلال المفاصل أثناء توجيه قوة وطاقة شريكك لخلق فرصة لتطبيق التقنية. لا تصنف الأيكيدو كفن قتالي وذلك لعدة أسباب منها أن الهدف الرئيس من ممارستها هو أن لا يكون هناك «تضارب في القوة»، فهي تستخدم الحركة الطبيعية لجسم الإنسان لتطوير الجسم والعقل معًا. ولا يوجد في الأيكيدو بطولات ومسابقات لأن ممارسة الأيكيدو تهدف لتنظيم المشاعر الإنسانية، لأجل أن تنتصر على نفسك. ونظرًا لعدم وجود المنافسه، يمكن أن يمارس الأيكيدو العديد من الأشخاص باختلاف أعمارهم وأحجامهم وأجناسهم وقوتهم البدنية.
وعورة الطريق
كانت البداية مع أحد معارفنا القدماء الإماراتيين، مدرب الأيكيدو «ريان العامري»، الذي تخرج من أهم نادي أيكيدو في اليابان، وافتتح ناديه الخاص في الإمارات. بدأ الحديث والتواصل مع ريان، ليساعدنا أولاً على فهم هذا الفن وهذه الرياضة، وثانياً قدرته على فتح باب مع أحد الأندية، حتى يجرب عمر الأيكيدو.
وبعد مضي فترة، مهد لنا ريان تجربة في أول نادي أيكيدو افتتح في تاريخ العالم «هونمبو دوجو» والذي يديره حاليًا السيد /موريترو أويشيبا، حفيد مؤسس اللعبة؛ السيد موريهي أويشيبا. بدأت بعدها الكثير من التساؤلات عن كيفية فك السياق والمفاهيم العديدة للأيكيدو ومدى قدرتنا على صنع تجربة فريدة متوافقة بين التوثيق وتجربة تعلم تطبيقها؟ وكعادة الرياضات التاريخية يصعب أحيانًا توضيح الفلسفة القديمة في عالم حديث نسي معاني مصطلحاتها.
الاحترام والإتقان
بعد تقديم مدرب الأيكيدو «ريان العامري» لنا إلى النادي، بدأت سلسلة من المراسلات مع المسؤول الإعلامي لنادي «هونمبو دوجو» والتي وصل عددها إلى ٤٠ رسالة بريدية! فكانوا يستفسرون عن كل صغيرة وكبيرة، عن عمر؟ ولماذا نريد أن نصور؟ وماهي القوانين؟ أو ما هي السلسلة التي سيعمل عليها عمر هنا في اليابان؟
كنا نأخذ هذه التساؤلات بشكل جاد، لأننا نعلم أن هذه الرياضة وهذا المكان له تاريخ وثقافة عريقة، فكيف يتأكدون أننا سنحترم هذا كله؟
الاجتماع الأول
لقاؤنا الأول كان قبل وقت التجربة الفعلية بــ ٧ أيام حيث اتجهنا إلى النادي وقابلنا ٣ من المسؤولين للتأكد من أن الجميع متفق على آلية التصوير، وعلى القوانين التي يجب أن نحترمها أثناء عملية الإنتاج.
قبل أن نذهب للاجتماع كان هناك دراسة مكثفة لمعرفة من سنقابل وكيف يجب أن نظهر بأي شكل؟ فبعد سؤال الأصدقاء اليابانيين والاستقصاء حول التجارب السابقة، كان هناك عدة وصايا، أولها: وضوح الخطة، التي ستكون من خلال دراسة كامل جدول الفريق ذلك اليوم والتأكد من فهم فريقنا داخليًا للأوقات والتجارب التي سيمارسها خلال تواجدنا في النادي.
ثانيًا: الهدية المعطاة، فمن ضمن السياقات الدارجة عند الأماكن العريقة -وهي كثيرة في اليابان- أن العادات لا تزال كما هي من آلاف السنين، إذ يبادر الضيف بإعطاء الهدايا التي ترمز لاحترام المكان المراد زيارته وطاقم العمل خلفه. بحثنا طويلًا، وكانت الأفكار في كيف تكون الهدية ذو رمز وحس ثقافي واضح؟ وبطبيعة الحال التمر كان هو الرمز الخالد لبلاد العرب. فأتينا بالتمر ومبلغ مادي وضع في ظرف.
الهدية عند الياباني لا تعني كيف شكلها أو سعرها، ولكن ببساطة العناء الذي أخذه صاحبها لكي يوصلها. وبعناء الفريق لإحضار التمر من دولة تبعد آلاف الأميال عنهم كان ذلك هو التقدير الحقيقي والرمز الداخلي الذي أثار سعادتهم عندما جربوه.
بعد أن انتهينا من الاجتماع واتفقنا بشكل كامل على كل الأوقات والممارسات، كان الوداع عند باب النادي الذي جلسوا عنده ينتظرون وهم يميلون للأسفل كل مرة نلتفت إليهم في إنحناءة لإظهار الاحترام، والمسافة التي مشيناها لم تكن بسيطة حتى نختفي عن الأنظار، وهم لا زالوا في نفس مكانهم ينتظرون ويودعون وينحنون في كل مرة ننظر إليهم. ابتسمنا عند نهاية الطريق ولوحنا للمرة الأخيرة في إستغراب لتقديرهم ومدى احترامهم.
عمر يجرب الأيكيدو
يبدأ المتدربون في النادي الدخول عند الساعة الخامسة فجرًا، ولأننا نريد أن نوثق كل التفاصيل الصغيرة التي تحدث للمتدربين من اللحظات الأولى وجب علينا أن نكون هناك قبل الوقت. بحثنا سابقًا عن أوقات القطارات ومتى تعمل في الصباح، وكم سيستغرق من الوقت للوصول للنادي. الفريق جاهز وعمر بلباس الأيكيدو ناصع البياض نتمشى في أروقة طوكيو لنصل ونجد اثنان مسنين بنفس اللباس الأبيض عند باب النادي ينتظرون وقت الدخول. عند تمام الساعة ٥:٠٠ فتحت الأبواب ودخلنا.
يبدأ الصباح باصطفاف الجميع أمام صورة المؤسس، لينحنوا أمامه احترامًا قبل أن يصعدوا الدرج، يدخلون صالة التدريب وينحنون مرة أخرى لصورة المؤسس المتمركزة في الصف الأول وبعدها يبدأون تمارين الإحماء.
ترى الأعداد تزيد شيئا فشيء حتى تمتلئ الصالة بالكامل. وبعد نصف ساعة يعمّ الهدوء بدخول ابن المؤسس القائم الآن على النادي، ينحنون لبعضهم البعض وتبدأ التدريبات بعد مشاهدة السيد «موريتو أويشيبا» وهو يمارس التقنية التي يجب على المتدربين التدرب عليها.
عمر كان يتدرب على يد ابن الحفيد، وبإمكانك أن ترى بوضوح الصعوبة ودرجة المرونة التي تحتاجها في مفاصلك لكي تتجنب الإصابة. أخذنا العديد من اللقطات لكل هذه التفاصيل وانتظرنا حتى ينتهي التدريب وتكنس الأرض ويرتب المكان لنذهب بعدها للقاء الرئيس.
مقابلة الرئيس
بعد أن قضينا يومًا في تجربة الأيكيدو، صار لدينا فضول أكبر عن هذه الرياضة والفلسفة خلفها. فكان من ضمن التحضيرات التي حرصنا أن تكون حاضرة في توثيق التجربة هي عمل مقابلة مع ابن المؤسس ورئيس النادي حاليًا السيد «موريترو أويشيبا».
عمر: هل الأيكيدو رياضة، فن قتالي، فلسفة .. شنو بالضبط؟
أويشيبا: في الأيكيدو نحن لا نسمي الحصة التدريبية بـ«تدريب» ولكن نسميها «بروفة» وذلك لأن الأيكيدو لا تحتفي بالمسابقات أو الجوائز، فنحن نمارسها لاستقرار الروح أولًا والتوازن النفسي والجسدي ثانيًا.
انتهت المقابلة لنودع كامل الفريق الذي ساعدنا على صنع هذه التجربة في هذا النادي العريق. وعند خروجنا أردنا أن نرى ردة فعل عمر والفريق عندما يرون طريقة وداعهم، فلم نخبرهم وتركناها مفاجأة، وبالفعل تكررت العادة واستعجب عمر وهو يبتسم.
رجعنا نمشي في الأحياء نتهامس التعاليم والدروس العملية والشخصية عن مجريات تصوير التجربة الثانية من سلسلة عمر يجرب اليابان.
أخبار نامان
[مقابلات فريق معسكر اليابان]
نؤمن أن المعسكر هو الفريق، لذلك أعطينا أهمية كبرى للمقابلات التي بها «نَعرف ونُعَرف» عن الفريق وعن المعسكر. تكون فيها مدة المقابلة قرابة الـ ٢٠ دقيقة، نذكّر الفريق بالقوانين والنواميس التي تكون جزء من قرار المشترك في إكمال تسجيله.
يهمنا كثيرًا انسجام الفرق خلال المعسكر لأن هي جزء من تصميمه لذلك، نحاول التأكد من أن المشترك «يُناسب ويتناسب» مع المعسكر.
لو كنت مهتمًا للانضمام معنا في معسكر اليابان وخوض تجربة العزلة في جبال ناقانو، أضغط على الرابط أدناه:
فائدة نامان
«المعرفة السطحية»
يعتقد الناس أنهم يفهمون الأشياء لأنهم أصبحوا على دراية بها، هذه معرفة سطحية فقط. إنها معرفة عالم الفلك الذي يعرف أسماء النجوم، وعالم النبات الذي يعرف تصنيف الأوراق والأزهار، والفنان الذي يعرف جماليات الأخضر والأحمر، وليس هذا هو معرفة الطبيعة نفسها؛ الأرض والسماء، الأخضر والأحمر.
فالفلكي وعالم النبات والفنان لم يفعلوا أكثر من استيعاب الانطباعات وتفسيرها، كل منهم في قبو عقله الخاص. وكلما انخرطوا أكثر في نشاط العقل، كلما زاد انخراطهم في نشاط الفكر، كلما انفصلوا عن أنفسهم وأصبح من الصعب عليهم أن يعيشوا بشكل طبيعي. فكلما عجزوا عن معرفة الطبيعة كلها، لم يكن في وسعهم أن يفعلوا أكثر من بناء نموذج ناقص لها ثم يوهمون أنفسهم بأنهم قد خلقوا شيئًا طبيعيًا.
كل ما يجب على المرء أن يفعله ليعرف الطبيعة هو أن يدرك أنه لا يعرف شيئًا في الحقيقة، وأنه غير قادر على معرفة أي شيء.... وبهذا سيأتي الوقت الذي سيفهم فيه.
ماسانوبو فوكوكا، ثورة القشة الواحدة
— في سنين، يمضي الوقت ويبقى الكلم —
تكمن القصص في كيفياتها بدرجة أكبر من نتائجها.
في القصة، تتربع التعاليم، وتكمن الرسائل.
من ذلك المنطلق، نشارك معكم في كل نشرة من سنين، محتوى قصصي عن المشاريع في كيفياتها، ماهياتها، لماذاتها.
البركةُ في زيادةِ عددِ المشتركينَ، يسعدنا مشاركتُكم نشرة سنين نامان
هذا والله الموفق
-
©2023 جميع الحقوق محفوظة لاستوديو نامان