سنين نامان عدد #٥
١٢ محرم ١٤٤٦ هـ | ١٨ يوليو ٢٠٢٤ م
جرار العربة
يتعلم عمر فاروق على جر العربات في شوارع اليابان
[أساكوسا، اليابان ٢٠٢٣]
السلام عليكم، مرحبًا بالجميع.
نشكر لكم تواضعكم، على الاشتراك في نشرة سنين نامان من «استوديو نامان».
بدأنا هذه النشرة، لنشارك معكم محتوى وأخبار المشاريع التي نعمل وعملنا عليها.
ونسعى من خلالها نشر التجارب والفوائد التي نتعلمها في الطريق.
مدخل لوسائل النقل اليابانية قديمًا
من أولى التجارِب التي عملنا عليها في هذه السلسلة كانت ممارسة «جرّ العربة»، وهي إحدى أساليب التنقل التي كانت تستخدم في عصر الميجي والتايشو، ينقل فيها «جرار العربة» الناس، خاصة المسافرين من مكان إلى آخر، وكان ذلك قبل استعمال الخيول في وقت لاحق، ولكل جرار عربة أسلوب خاص يميزه.
في الوقت الحالي اختلف سبب وجود جرار العربة في اليابان، إذ صار أحد التجارِب السياحية التي تستطيع أن تخوضها للتجول في أرجاء المدينة.
التحدي الأكبر في الإعداد لهذه الحلقة كان في اقناع أصحاب هذه الممارسة ليجرب عمر أن يكون جرارًا وليس راكبًا فقط. ولكن مهنة الجرارة في اليابان مهنة عريقة تلتزم بآداب وإرث تاريخي يحافظ عليه الجرارون ليبقى جزءًا من الثقافة والتجربة اليابانية. في مرحلة الإعداد بحثنا عن جرار يتعاون معنا في تعريف عمر على هذه المهنة ليجرب جرّ العربة مدة يوم ويسمح لنا بحرية التصوير.
كان هناك رفض كثير من عدة جهات لأسباب تعود إلى السلامة العامة في الطريق، إذ يحتاج جرار العربة لتعلم الحرفة واكتساب الخبرة حتى يجرّ الناس في الشوارع. وبعد بحث طويل وصلنا إلى محل «جيدايا» الذي امتد تواصلنا معهم لـ ١٨ رسالة بريدية قبل أن يوافقوا على تقديم ٤ ساعات يجرب فيها عمر مهنة الجرارة، بشرط أن يتدرب خلال الساعة الأولى قبل أن يجرّ العربة في الطريق.
يتعلم عمر مهنة جر العربة ليخرج إلى ساحة «أساكوسا» وهي مدينة ثقافية سياحية في طوكيو، ليجرّ السياح في أرجاء المدينة.
لقاء المعلم
كان يمسك بورقة صغيرة ويحاول قرائتها باجتهاد «السلام عليكم»، هذه كانت أول كلمة نطق فيها المعلم الذي سيكون برفقة عمر طوال اليوم.
أراد المعلم بهذه اللفتة الصغيرة، أن يكسر الحواجز بينه وبين عمر، ويظهر مدى انفتاحه وترحيبه للتجربة. قد تكون هذه صفة عامة عند اليابانيين وهي الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة، والتي تظهر بالنسبة للسياق الياباني الداخلي أمر بديهي وعادي.
مشاكل الميدان
إحدى المعدات التي كانت معنا قبل بدء التصوير مباشرة، قررت أن تتوقف عن العمل!
كانت هذه الأداة هي مانع الاهتزاز الذي حرصنا على اقتناءه لهذه التجربة، لأنها ستكون حركية كثيرًا وفيها جري وعدو من فريق الإنتاج للحاق بالجرار عمر. حاولنا تشغيلها كثيرًا في البداية ولكن دون أي جدوى.
ولكي لا يتعطل العمل قررنا بعدها بنصف ساعة أن نتوقف عن المحاولة ونركز على حمل الكاميرا باليد. بهذا الموقف من التجربة الأولى خرجنا ببعض التعاليم العملية والإدارية في الميدان:
• وضع حد أقصى لحل المشكلة من جذرها، فإن لم تُحل نبحث عن حل آخر.
• تلطيف الجو وعودة الروح المعنوية، بعد تجاوز المشكلة والتركيز على المهام.
• الدبلوماسية في اللوم والعتاب وتحمل الخطأ الجماعي.
• حتى مع حل المشكلة، تُناقش المشكلة في الوقت المناسب.
الجرار عمر فاروق
ولأنها التجربة الأولى، كان هناك توتر عام للفريق؛ المصورين والإعداد، والشروط التي وافقنا عليها للتصوير مع المعلم والمكان.
مع الوقت انسجم الفريق مع التجربة وبدأت الأمور بالتحسن شيئًا فشيئًا. كسر عمر هالة التوتر من خلال مداخلاته الكوميدية مع المعلم.
تجولنا كثيرًا في شوارع المدينة بعربة فارغة، ليتفاجأ المعلم بعدها بطلب عمر أن يبدأ بأخذ الزبائن عنده. لم يكن المعلم واثقًا من عمر في البداية، فالجرارة مسؤولية كبيرة، وهي تُمثل خدمات الجهة التي تدير العربات، ولكن حينما رأى المعلم تفاعل عمر مع الناس في الشارع بدأ يرتاح ويثق به أكثر فأكثر. فعمر بحكم شخصيته الفذة في تعلم التجارب بشكل سريع جعلته مهيئًا لأخذ زمام الأمور، وصنع تجربة فريدة شجعت المعلم في الأخير على ركوب عربة طالبه ليأخذه في جولة أخيرة يشكره فيه على هذه التعاليم.
نهاية التجربة الأولى
انتهت التجربة الأولى من السلسلة وعاد الفريق مرهقًا من الحركة والجري الكثير في شوارع «أساكوسا».
عشاء ومن ثم صيانة اخترناها بعناية لتكون في الينابيع الحارة التي تتميز بها ثقافة اليابان؛ لتسترخي العضلات وتذوب معها تحديات اليوم الأول وحملها على الفريق.
الهنسي كاي
لم ينتهي اليوم بعد، فأحد الأساسيات التي حرصنا على ضمها لتصميم اليوم هي ما يسمى بـ «الهنسي كاي» وهي جلسة محاسبة النفس، نجمع فيها كامل الفريق نهاية كل يوم للحديث عن التحديات والتأملات التي واجهها. خلال هذه الجلسة تطرح عدة أسئلة يجاوب عليها كافة أعضاء الفريق.
«الهنسي كاي» طقس تطبقه الكثير من الشركات والمحلات في اليابان، فترى الخباز مثلًا يجتمع مع موظفيه في المساء للحديث عن مجريات اليوم وتحدياته. ومن خلال هذه الجلسة يبدأ التطوير المستمر بشكل عملي، وبشكل شخصي ترى أن كل أحد من الفريق قد قال ما يجول بخاطره.
تراكم هذه المعلومات وممارستها بشكل يومي هو التطوير والقيمة الحقيقية التي تجعل العمل في وتيرة تصاعد مستدامة.
ينتهي اليوم، ويختلي كلٌ بنفسه استعدادًا للنوم، لننهض مع يوم جديد لتحدٍ آخر من سلسلة عمر يجرب اليابان.
صوت اليابان
أخبار نامان
[ تجهيزات معسكر اليابان]
بدأ الإستقصاء الميداني للمعسكر بانطلاق الفريق إلى اليابان للعمل على التجهيزات الأخيره، وأحد أهم الأهداف التي نسعى للخروج بها من خلال هذا التقصي:
- التأكد من مسكن المشتركين «كوخ أودايرا»
- التأكد من مفهوم الغذاء عند معلم الطبخ الياباني
- إدارة وتصميم أوقات المشتركين في مكان المعسكر
لو كنت مهتمًا للانضمام معنا في معسكر اليابان وخوض تجربة العزلة في جبال ناقانو، أضغط على الرابط أدناه:
فائدة نامان
«الصدق المفرط»
يطلق على فلسفة الصدق المفرط أو الصدق إلى درجة السذاجة في اللغة اليابانية ب: (GUTCHOKU) «قوتشوكو»، ويمكن تفسير هذا المفهوم في الإدارة اليابانية بمعنى: الانصياع للأوامر وتنفيذها والمحافظة على المبادئ. إذ أن الفرد فى المنظومة اليابانية يلتزم بأدق التفاصيل المطلوبة والمحددة من قبل الإدارات العليا.
ويعتقد بأن هذا النوع من الانضباط والتطبيق الصارم لأدق التفاصيل والمتطلبات في العمل هو نوع من الصدق المفرط، ومن جانب آخر قد يُرى على أنه تطبيق أعمى للتعليمات وللنظام داخل المنشآت. ولكن في حقيقة الأمر فإن الوضع مختلف داخل المنشآت اليابانية؛ فهذا السلوك يُعدُّ من أهم أساسيات العمل وأسرار النجاح في الإدارة اليابانية.
ويعود السبب في ذلك إلى أن الفرد لا يمكنه مخالفة الجماعة والتصرف بشكل فردي، أو الخوض في الأمور التي لم يتم التخطيط لها من قبل الجماعة بشكل مسبق سواء من قبل الإدارة المباشرة أو الإدارات العليا، إذ أن الأنظمة الموضوعة تُعدُّ كالدستور داخل الدولة، كما تُعدُّ خطَّا أحمر لا يُسمح بتجاوزه.
ويعطي ذلك انطباعًا -للوهلة الأولى- بأن الفرد في المنظمة اليابانية يتبع التعليمات ولا يمكنه التصرف بمرونة، إلا أن هذا الانضباط فى المحافظة على المبادئ والعمل بكل صدق وتطبيق أدق التفاصيل وعدم الانصياع إلى الرغبة الذاتية ساهم برفع نسبة النجاح للمنشآت اليابانية بشكل ملحوظ. ويؤكد على أهمية هذا المفهوم عالم الإدارة الياباني (كاقونو تداو) بأن أهم الكلمات التي تصف أسلوب عمل الموظفين في المنشآت اليابانية التي نجحت بتوسعها الخارجي بدول آسيا كالتالي:
١. العمل بجدية
٢. العمل بصدق
٣. العمل بصمت
٤. الحزم حتى في أدق الأمور
عثمان المزيد، الإدارة اليابانية بمنظور مختلف - مقدمة للمفاهيم الأساسية
— في سنين، يمضي الوقت ويبقى الكلم —
تكمن القصص في كيفياتها بدرجة أكبر من نتائجها.
في القصة، تتربع التعاليم، وتكمن الرسائل.
من ذلك المنطلق، نشارك معكم في كل نشرة من سنين، محتوى قصصي عن المشاريع في كيفياتها، ماهياتها، لماذاتها.
البركةُ في زيادةِ عددِ المشتركينَ، يسعدنا مشاركتُكم نشرة سنين نامان
هذا والله الموفق
-
©2023 جميع الحقوق محفوظة لاستوديو نامان